JBALASITE-موقع اخباري بالمغرب JBALASITE-موقع اخباري بالمغرب
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

بشان تمثال السمكتين في مدينة مهدية

 بشأن تمثال السمكتين في مدينة مهدية



أولا: يجب الاعتراف بداية أن سلطة الفيسبوك أصبحت ضاربة في إيصال الرسائل والاحتجاج وإظهار السخط وإبداء الرأي، ومن ثمة صارت كل المؤسسات والتنظيمات  تقيم له وزنا واعتبارا بالغا، وتأخذ ما يثار فيه مأخذ الجد، بل وتسعى للاستثمار فيه وتوظيفه في الدفاع عن نفسها أو تسويق طروحاتها أو الهجوم على خصومها ومناوئيها..


ثانيا: يجب الإقرار بأن الكثير من الحملات الفيسبوكية، والموجات التدوينية، يجب أن نستأنس في تفسيرها بثلاثة عوامل أساسية، العامل الأول، وجود تقبّل عام للقضية المثارة واستعداد متأهّب، قد يرتبط بمناسبة ما، لتأخذ زخما وبعدا عاما قويا. والعامل الثاني، أنه لا يغيب في أية موجة، من يوجّهها بحسن نية أو سوئها، ويعمل على توظيف قوّتها وتحويل فعاليتها لصالح أجندته ومصالحه. والعامل الثالث، يتمثّل في توظيف "عاطفة شعبوية" معيّنة والركوب عليها، بتبسيط الرموز واختزالها بشكل مخل وساذج، ليتقبّلها عامة المدونين والمتصفحين المتفاعلين، وهو ما يجعل الموجة أحيانا عمياء وتفتقد إلى التبصّر اللازم والحكمة المطلوبة، الأمر الذي قد يحرّفها عن مسارها الأصلي من جهة، ومن جهة ثانية، يحطّمها من الداخل، حين يسمح بوجود مجموعة من الأخطاء القاتلة والسقطات المريعة في حركيتها..


عودة إلى السمكتين، وبالنظر إلى ما تقدّم، ينبغي أن نعلم أن انتقاد نحت السمكتين ليس نابعا فقط من كونهما رديئتين من حيث الصنعة والابتكار والجِدّة الإبداعية الخلاّقة، وإنما لأن الهجوم حكمته اعتبارات نفسية وثقافية وسياسية عامة.

إن أغلب الانتقادات التي طالت النحت، لم تنطلق من خلفية ذوقية فنية معتبرة تقيّم العمل بمعايير الاعتبارات الفنية والجمالية، بل بناءً على تمثّلات منحطّة، ربطت بفجاجة وانحطاط، السمكتين بالأعضاء التناسلية، وهو الأمر الذي زكّاه العديد ممن يتبجّحون بالانتصار للفن العاري نفسه بدعوى الحرية المطلقة للفنان.

فإذا أخذنا بعين الاعتبار الأجواء المشحونة سياسيا، ونحن نعيش حالة خيبة وطنية وضياع بوصلة وارتباك سياسي واستراتيجي واضح، فإن الأمر يبدو جليا أن نوع من السخط العارم، يبحث عن أي شيء ليخرج حممه الغاضبة، وينفجر في وجه أي اختلال ممكن، فإذا أضفنا إلى هذا، أن التمثالين نتاج تدبير سياسي لحزب يتحمّل وزر أفظع القرارات اللاشعبية في السنوات الأخيرة، أي حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى التمثّل السائد لتوتّر علاقة الإسلاميين بفنّ النحت، فإن الأمر يمكن تفسيره على أساس السخط من كل ما يأتي من العدالة والتنمية، خاصة إذا حاول الفقيه أن يلبس فجأة سروال الجينز الممزق ويحلق شعره بطريقة غريبة، ويخرج إلى  الشارع ليظهر بمظهر المتحضّر، صحيح قد تكون الصورة كاريكاتورية، ولكنها تسعفنا في فهم الموقف النفسي الذي يؤطّر الغضب السياسي ضد حزب العدالة والتنمية وهو يتلقى الضربات الموجعة في صمت وهوان بعدما رضي بالتوقيع على الاستعمال السياسي الفظيع في فترة كان يمكن أن يشكّل دعامة أساسية لترسيخ مسار التغيير الحقيقي مع مطلع الشعارات الأولى لحركة 20 فبراير.

وإذا كان الفنان الذي تولّى نحت السمكتين قد صرّح باكيا لإحدى الإذاعات الوطنية أنه لم يكن قد أنهى عمله بعد، وأن الصورة المسرّبة قد حطمت مشروعا لا زال قيد الصوغ والتجويد، فإننا لا نملك إلا أن نتأسّف على غياب أية إشارات وعلامات تفيد بأن العمل لم ينته، وتلك مسؤولية الجماعة التي تسير المنطقة أولا، وتأخر التفاعل الإعلامي للفنان ثانيا، وتهافت العديد من المدونين للكتابة في الموضوع والتشفي والسخرية دون تبيّن ودون بحث ودون جديد، كما يفعل المدونون في البلدان الديمقراطية.

ليس هذا دفاعا عن قوة أو رداءة وضعف منجز فنّي مهما كان، ولكّنه محاولة لإعادة النقاش إلى ميزانه الحقيقي، أي أن الفن يقاس بمعيار الفن، لا بمعيار الحقد السياسي أو الغضب على الخصوم الإيديولوجيين، ولذلك كنا بحاجة إلى تدخل الفنانين لتقييم العمل بعيدا عن تهافت الساخرين، وسطحية بعض التدوينات، وبعيدا عن الرعب الذي أصاب مسؤولي الجماعة الذين سارعوا إلى هدم السمكتين، والأخزى في الأمر تكليف الفنان نفسه بنسف ما بناه.

يجب الاعتراف بأن علاقتنا بالنحت لا زالت متوترة لاعتبارات مختلفة، وبأن "مدرستنا المغربية" في النحت لا زالت في طور التشكّل المحتشم (حسب متابعتي المتواضعة)، ولذلك لا ينبغي أن نحاكم بعض المنجزات هنا وهناك بناء على معرفتنا العامة بالنحت الغربي أو الآسيوي مثلا، هذا أمر يحتاج إلى تربية وترقية ذائقة ومصالحة مع النحت، ويحتاج إلى نقاش متخصصين لا حملات غاضبين أو ساخرين، وإن كان التعبير عن الرأي والسخط مضمون، لكن السقوط في الشعبوية لن يخدم الفن أبدا.

إننا لا ندعو إلا إلى عقلنة النقاش العمومي، وتجنب التسطيح والغوغائية، خاصة في ظرفية تتميز بالاحتقان والضغط النفسي الهائل، وإلا فإن هناك أعمال فنّية يتم الاحتفاء بها، في مجالات مختلفة، لا علاقة لها بالإبداع الحقيقي، ولكن تتحكم فيها البوصلة الثقافية للنظام وبعض الفاعلين، وابحثوا عمّن يتم تكريمه "وتوسيمه"، وعمّن يسكن بلاطوهات الإعلام العمومي، وعمّن يتم ترويج "فنّه" ضدا على الجمهور والفن نفسه.

وشكرا على تفهّمكم.


عبد القادر الدحمني

سوق أربعاء الغرب

في: 19 شتنبر 2020.

JBALASITE

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

JBALASITE-موقع اخباري بالمغرب